4- سورة البقرة 35 - 37
وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين .
السؤال : هنا ذكر زوجة آدم ولم يذكر من أين أتت ولا حتى كيف خلقت . ثم سمح لهما بأكل ثمار الجنة
( إلا هذه الشجرة ) ما هي هذه الشجرة , ولماذا يكونا من الظالمين إذا اكلا منها من سيظلما ؟. لماذا لا يكونا من العاصين بدل الظالمين؟ . وبالعدد 36 قال فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما ... . ماذا كان يفعل الشيطان في الجنة مع آدم وزوجته . وبالعدد37 قال فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم . ما هي هذه الكلمات التي تلقاها آدم من الله حتى تاب ؟ هل تنفع البشر الآن لكي يتوبوا هم أيضا ؟
قصة آدم من سورة البقرة
وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
تفسير القرطبي - (ج 1 / ص 298) / سورة البقرة
فيه ثلاث عشرة مسألة: الاولى - قوله تعالى -: (وقلنا يا آدم اسكن) لا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة، وبعد إخراجه قال لآدم: اسكن، أي لازم الاقامة واتخذها مسكنا، وهو محل السكون.
وسكن إليه يسكن سكونا.00 والسكن: كل ما سكن إليه.
والسكين معروف سمي به لانه يسكن حركة المذبوح، ومنه المسكين لقلة تصرفه وحركته.
وسٌكان السفينة عربي، لانه يسكنها عن الاضطراب (السكان (بالضم): ذنب السفينة التي به تعدل).
الثانية - في قوله تعالى: " اسكن " تنبيه على الخروج، لان السكنى لا تكون ملكا، ولهذا قال بعض العارفين: السكنى تكون إلى مدة ثم تنقطع، فدخولهما في الجنة كان دخول سكنى لا دخول إقامة.
قلت: وإذا كان هذا فيكون فيه دلالة على ما يقوله الجمهور من العلماء: إن من أسكن رجلا مسكنا له أنه لا يملكه بالسكنى، وأن له أن يخرجه إذا انقضت مدة الاسكان.
وكان الشعبي يقول: إذا قال الرجل داري لك سكنى حتى تموت فهي له حياته وموته، وإذا قال: داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها إذا مات.
ونحو من السكنى العمرى، إلا أن الخلاف في العمرى أقوى منه في السكنى.
وسيأتي الكلام في العمرى في " هود " إن شاء الله تعالى.
قال الحربي: سمعت ابن الاعرابي يقول: لم يختلف العرب في أن هذه الاشياء على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له العمرى والرقبى والافقار والاخبال والمنحة والعرية والسكنى والاطراق.
وهذا حجة مالك وأصحابه في أنه لا يملك شئ من العطايا إلا المنافع دون الرقاب، وهو قول الليث بن سعد والقاسم بن محمد، ويزيد بن قسيط.
والعمرى: هو إسكانك الرجل في دار لك مدة عمرك أو عمره.
ومثله الرقبى: وهو أن يقول: إن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك، وهي من المراقبة.
والمراقبة: أن يرقب كل واحد منهما موت صاحبه، ولذلك اختلفوا في إجازتها ومنعها، فأجازها أبو يوسف والشافعي، وكأنها وصية عندهم.
ومنعها مالك والكوفيون، لان كل واحد منهم يقصد إلى عوض لا يدري هل يحصل له، ويتمنى كل واحد منهما موت صاحبه.
وفي الباب حديثان أيضا بالاجازة والمنع ذكرهما ابن ماجه في سننه، الاول رواه جابر بن عبد الله قال
2374 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُرْقِبَهَا سنن ابن ماجه - (ج 7 / ص 206) ، سنن أبي داود تحقيق الألباني : صحيح 0
ففي هذا الحديث التسوية بين العمرى والرقبى في الحكم.
الثاني // 2373 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لَا رُقْبَى فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَمَاتَهُ
قَالَ وَالرُّقْبَى أَنْ يَقُولَ هُوَ لِلْآخَرِ مِنِّي وَمِنْكَ مَوْتًا سنن ابن ماجه و النسائي ، أبو داود تحقيق الألباني :صحيح
فقوله: (لا رقبى) نهي يدل على المنع، وقوله: (من أرقب شيئا فهو له) يدل على الجواز،
عون المعبود - (ج 8 / ص 54)
فهذا الحديث نهي عن الرقبى والعمرى ، وعلله بأن من أرقب على بناء المفعول في الفعلين أي فلا تضيعوا أموالكم ولا تخرجوها من أملاككم بالرقبى والعمرى فالنهي بمعنى لا يليق بالمصلحة وإن فعلتم يكون صحيحا . وقيل النهي قبل التجويز فهو منسوخ بأدلة الجواز والله تعالى أعلم . كذا في فتح الودود .وعند مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله r" أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا فَإِنَّهُ مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ "
فهذه الرواية تؤيد المعنى الأول 0
**
والافقار مأخوذ من فقار الظهر. أفقرتك ناقتي: أعرتك فقارها لتركبها. وأفقرك الصيد إذا أمكنك من فقاره حتى ترميه. ومثله الاخبال، يقال: أخبلت فلانا إذا أعرته ناقة يركبها أو فرسا يغزو عليه
والمنحة: العطية. والمنحة: منحة اللبن.
والمنيحة: الناقه أو الشاة يعطيها الرجل آحر يحتلبها ثم يردها، قال رسول الله r : (العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم). رواه أبو أمامة، أخرجه الترمذي والدارقطني وغيرهما، وهو صحيح.
سنن الترمذي - (ج 7 / ص 491)
2046 - عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ التَّابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامَ قَالَ ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا ثُمَّ قَالَ الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ 0 قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ وَأَنَسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ r مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ 0
تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 402)
( الولد للفراش ) أي للأم . قال في النهاية : وتسمى المرأة فراشا لأن الرجل يفترشها ، أي الولد منسوب إلى صاحب الفراش سواء كان زوجا أو سيدا أو واطئ شبهة ، وليس للزاني في نسبه حظ ، إنما الذي جعل له من فعله استحقاق الحد وهو قوله ( وللعاهر الحجر )
قال التوربشتي : يريد أن له الخيبة ، وهو كقولك له التراب ، والذي ذهب إلى الرجم فقد أخطأ لأن الرجم لا يشرع في سائره
( وحسابهم على الله تعالى ) قال المظهر : يعني نحن نقيم الحد على الزناة وحسابهم على الله إن شاء عفا عنهم وإن شاء عاقبهم ، هذا مفهوم الحديث ، وقد جاء : " من أقيم عليه الحد في الدنيا لا يعذب بذلك الذنب في القيامة ، فإن الله تعالى أكرم من أن يثني العقوبة على من أقيم عليه الحد " . ويحتمل أن يراد به من زنى أو أذنب ذنبا آخر ولم يقم عليه الحد فحسابه على الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه . قال القاري : ويمكن أن يقال ونحن نجري أحكام الشرع بالظاهر والله تعالى أعلم بالسرائر . فحسابهم على الله وجزاؤهم عند الله أو بقية محاسبتهم ومجازاتهم من الإصرار على ذلك الذنب ومباشرة سائر الذنوب تحت مشيئة الله
( ومن ادعى إلى غير أبيه ) بتشديد الدال أي انتسب إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه
( أو انتمى إلى غير مواليه ) أي انتسب إليهم وصار معروفا بهم من نميته إلى أبيه نميا نسبته إليه وانتمى هو
( فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة ) وفي رواية أبي داود عن أنس : المتتابعة إلى يوم القيامة
( لا تنفق امرأة من بيت زوجها إلا بإذن زوجها ) أي صريحا أو دلالة نفي وقيل نهي
( قيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذاك أفضل أموالنا ) يعني فإذا لم تجز الصدقة بما هو أقل قدرا من الطعام بغير إذن الزوج فكيف تجوز بالطعام الذي هو أفضل 0
( العارية ) بالتشديد ويخفف 0 ( مؤداة ) بالهمزة ويبدل . قال التوربشتي : أي تؤدى إلى صاحبها .
واختلفوا في تأويله على حسب اختلافهم في الضمان ، فالقائل بالضمان يقول تؤدى عينا حال القيام وقيمة عند التلف ، وفائدة التأدية عند من يرى خلافه إلزام المستعير مؤنة ردها إلى مالكها 0
( والمنحة ) بكسر فسكون ، ما يمنحه الرجل صاحبه أي يعطيه من ذات در ليشرب لبنها أو شجرة ليأكل ثمرها أو أرضا ليزرعها ، وفي رواية المنيحة 0
( مردودة ) إعلام بأنها تتضمن تمليك المنفعة لا تمليك الرقبة 0 ( والدين مقضي ) أي يجب قضاؤه
( والزعيم ) أي الكفيل 0
( غارم ) أي يلزم نفسه ما ضمنه ، والغرم أداء شيء يلزمه ، والمعنى ضامن ومن ضمن دينا لزمه أداؤه " وفي الباب عن عمرو بن خارجة وأنس بن مالك " أما حديث عمرو بن خارجة فأخرجه الترمذي في هذا الباب . وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه ابن ماجه .
قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وحسنه الحافظ أيضا في التلخيص .
***
تفسير القرطبي -
والاطراق: إعارة الفحل، استطرق فلان فلانا فحله: إذا طلبه ليضرب في إبله، فأطرقه إياه، ويقال: أطرقني فحلك أي أعرني فحلك ليضرب في إبلي.
وطرق الفحل الناقة يطرق طروقا أي قعا عليها.
وطروقة الفحل: أنثاه، يقال: ناقة طروقة الفحل للتي بلغت أن يضربها الفحل.
الثالثة - قوله تعالى: (أنت وزوجك) " أنت " تأكيد للمضمر الذي في الفعل، ومثله " فاذهب أنت وربك ".
ولا يجوز اسكن وزوجك، ولا اذهب وربك،
الرابعة - قوله تعالى: " وزوجك " لغة القرآن " زوج " بغير هاء، وقد تقدم القول فيه.
وقد جاء في صحيح مسلم: " زوجة " عن أنس أن النبي r كان مع إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه فجاء فقال: (يا فلان هذه زوجتي فلانة): فقال يا رسول الله، من كنت أظن به فلم أكن أظن بك، فقال رسول الله r : (إن الشيطان يجري من الانسان مجرى الدم).
وزوج آدم عليه السلام هي حواء عليها السلام، وهو أول من سماها بذلك حين خلقت من ضلعه (الضلع كعنب وجذع) من غير أن يحس آدم عليه السلام بذلك، ولو ألم بذلك لم يعطف رجل على امرأته، فلما انتبه قيل له: من هذه ؟ قال: امرأة قيل: وما اسمها ؟ قال: حواء، قيل: ولم سميت امرأة ؟ قال: لانها من المرء أخذت، قيل: ولم سميت حواء ؟ قال: لانها خلقت من حي.
روي أن الملائكة سألته عن ذلك لتجرب علمه، وأنهم قالوا له: أتحبها يا آدم ؟ قال: نعم، قالوا لحواء: أتحبينه يا حواء ؟ قالت: لا، وفي قلبها أضعاف ما في قلبه من حبه. قالوا: فلو صدقت أمرأة في حبها لزوجها لصدقت حواء.
وقال ابن مسعود وابن عباس: لما أسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشا، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصرى من شقه الايسر ليسكن إليها ويأنس بها، فلما انتبه رآها فقال: من أنت ؟ قالت: امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي، وهو معنى قوله تعالى: " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها " (3) [ الاعراف: 189 ].
قال العلماء: ولهذا كانت المرأة عوجاء، لانها خلقت من أعوج وهو الضلع.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله r : 2670 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا 0
وقال الشاعر: هي الضلع العوجاء ليست تقيمها * ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى * أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
ومن هذا الباب استدل العلماء على ميراث الخنثى المشكل إذا تساوت فيه علامات النساء والرجال من الحية والثدي والمبال بنقص الاعضاء.
فإن نقصت أضلاعه عن أضلاع المرأة أعطي نصيب رجل - روي ذلك عن علي t - لخلق حواء من أحد أضلاعه،.
الخامسة - قوله تعالى: (الجنة) الجنة: البستان، وقد تقدم القول فيها.
ولا التفات لما ذهبت إليه المعتزلة والقدرية من أنه لم يكن في جنة الخلد وإنما كان في جنة بأرض عدن.
فالجواب: أن الله تعالى عرف الجنة بالالف واللام،
ومن قال: أسأل الله الجنة، لم يفهم منه في تعارف الخلق إلا طلب جنة الخلد.
فأدخل الالف واللام ليدل على أنها جنة الخلد
السادسة - قوله تعالى: (وكلا منها رغدا حيث شئتما) قراءة الجمهور " رغدا " بفتح الغين.
وقرأ النخعي وابن وثاب بسكونها.
والرغد: العيش الدار الهني الذي لا عناء فيه، ويقال: رغد عيشهم ورغد (بضم الغين وكسرها).
وأرغد القوم: أخصبوا وصاروا في رغد من العيش. وهو منصوب على الصفة لمصدر محذوف 0
السابعة - قوله تعالى: " ولا تقربا هذه الشجرة " أي لا تقرباها بأكل، لان الاباحة (أي من غير تلك الشجرة) فيه وقعت.
قال ابن العربي: سمعت الشاشي يقول: إذا قيل لا تقرب (بفتح الراء) كان معناه لا تلبس بالفعل، وإذا كان (بضم الراء) فإن معناه لا تدن منه.
وقال ابن عطية: قال بعض الحذاق: إن الله تعالى لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظ يقتضي الاكل وما يدعو إليه العرب وهو القرب.
قال ابن عطية: وهذا مثال بين في سد الذرائع.
وقال بعض أرباب المعاني قوله: " ولا تقربا " إشعار بالوقوع في الخطيئة والخروج من الجنة، وأن سكناه فيها لا يدوم، لان المخلد لا يحظر عليه شئ ولا يؤمر ولا ينهى.
والدليل على هذا قوله تعالى " إني جاعل في الارض خليفة " [ البقرة: 30 ] فدل على خروجه منها.
الثامنة - قوله تعالى: " هذه الشجرة " الاسم المبهم ينعت بما فيه الالف واللام لا غير، كقولك: مررت بهذا الرجل وبهذه المرأة وهذه الشجرة.
والشجرة: ما كان على ساق من نبات الارض.
التاسعة - واختلف أهل التأويل في تعيين هذه الشجرة التي نهي عنها فأكل منها،000.
قال ابن عطية: وليس في شئ من هذا التعيين ما يعضده خبر، وإنما الصواب أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو إليها وعصى في الاكل منها.
وقال القشيري أبو نصر: وكان الامام والدي رحمه الله يقول: يعلم على الجملة أنها كانت شجرة المحنة.
العاشرة - واختلفوا كيف أكل منها مع الوعيد المقترن بالقرب وهو قوله تعالى: " فتكونا من الظالمين "، فقال قوم: أكلا من غير التي أشير إليها فلم يتأولا النهي واقعا على جميع جنسها، كأن إبليس غره بالاخذ بالظاهر قال ابن العربي: وهي أول معصية عصى الله بها على هذا القول.
قال: " وفيه دليل على أن من حلف ألا يأكل من هذا الخبز فأكل من جنسه حنث.
وتحقيق المذاهب فيه أن أكثر العلماء قالوا: لا حنث فيه.
وقال مالك وأصحابه: إن اقتضى بساط اليمين تعيين المشار إليه لم يحنث بأكل جنسه، وإن اقتضى بساط اليمين أو سببها أو نيتها الجنس حمل عليه وحنث بأكل غيره، وعليه حملت قصة آدم عليه السلام فإنه نهي عن شجرة عينت له وأريد بها جنسها، فحمل القول على اللفظ دون المعنى.
وقد اختلف علماؤنا في فرع من هذا، وهو أنه إذا حلف ألا يأكل هذه الحنطة فأكل خبزا منها على قولين، قال في الكتاب: يحنث، لانها هكذا تؤكل.
وقال ابن المواز: لا شئ عليه، لانه لم يأكل حنطة وإنما أكل خبزا فراعى الاسم والصفة ولو قال في يمينه: لا آكل من هذه الحنطة لحنث بأكل الخبز المعمول منها ".
وفيما اشترى بثمنها من طعام وفيما أنبتت خلاف.
وقال آخرون: تأولا النهي على الندب.
قال ابن العربي: وهذا وإن كان مسألة من أصول الفقه فقد سقط ذلك ها هنا، لقوله: " فتكونا من الظالمين " [ البقرة: 35 ] فقرن النهي بالوعيد، وكذلك قوله سبحانه: " فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى " (1) [ طه: 117 ] [ فتعين كونه على الوجوب ].
قلت: قد استنبط بعض العلماء نبوة آدم عليه السلام قبل إسكانه الجنة من قوله تعالى: " فلما أنبأهم بأسمائهم " [ البقرة: 33 ] فأمره الله تعالى أن ينبئ الملائكة بما ليس عندهم من علم الله عزوجل.
وقيل: أكلها ناسيا، ومن الممكن أنهما نسيا الوعيد.
قلت: وهو الصحيح لاخبار الله تعالى في كتابه بذلك حتما وجزما فقال: " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما (1) " [ طه: 115 ].
ولكن لما كان الانبياء عليهم السلام يلزمهم من التحفظ والتيقظ لكثرة معارفهم وعلو منازلهم ما لا يلزم غيرهم كان تشاغله عن تذكر النهي تضييعا صار به عاصيا، أي مخالفا.
قال أبو أمامة: لو أن أحلام بني آدم منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة وضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم، وقد قال الله تعالى: " ولم نجد له عزما ".
قلت: قول أبي أمامة هذا عموم في جميع بني آدم.
وقد يحتمل أن يخص من ذلك نبينا محمد r ، فإنه كان أوفر الناس حلما وعقلا.
وقد يحتمل أن يكون المعنى لو أن أحلام بني آدم من غير الانبياء. والله أعلم.
قلت: والقول الاول أيضا حسن، فظنا أن المراد العين وكان المراد الجنس، كقول النبي r حين أخذ ذهبا وحريرا فقال: (هذان حرامان على ذكور أمتي).
وقال في خبر آخر: (هذان مهلكان أمتي). وإنما أراد الجنس لا العين.
الحادية عشرة - يقال: إن أول من أكل من الشجرة حواء بإغواء إبليس إياها - على ما يأتي بيانه - وإن أول كلامه كان معها لانها وسواس المخدة، وهي أول فتنة دخلت على الرجال من النساء، فقال: ما منعتما هذه الشجرة إلا أنها شجرة الخلد، لانه علم منهما أنهما كانا يحبان الخلد، فأتاهما من حيث أحبا - " حبك الشئ يعمي ويصم " - فلما قالت حواء لآدم أنكر عليها وذكر العهد، فألح على حواء وألحت حواء على آدم، إلى أن قالت: أنا آكل قبلك حتى إن أصابني شئ سلمت أنت، فأكلت فلم يضرها، فأتت آدم فقالت: كل فإني قد أكلت فلم يضرني، فأكل فبدت لهما سوآتهما وحصلا في حكم الذنب، لقول الله تعالى: " ولا تقربا هذه الشجرة " فجمعهما في النهي، فلذلك لم تنزل بها العقوبة حتى وجد المنهي عنه منهما جميعا، وخفيت على آدم هذه المسألة، ولهذا قال بعض العلماء: إن من قال لزوجتيه أو أمتيه: إن دخلتما الدار فأنتما طالقتان أو حرتان، إن الطلاق والعتق لا يقع بدخول إحداهما.
وقد اختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال، قال ابن القاسم: لا تطلقان ولا تعتقان إلا باجتماعهما في الدخول، حملا على هذا الاصل وأخذا بمقتضى مطلق اللفظ. وقاله سحنون.
وقال ابن القاسم مرة أخرى: تطلقان جميعا وتعتقان جميعا بوجود الدخول من إحداهما، لان بعض الحنث حنث، كما لو حلف ألا يأكل هذين الرغيفين فإنه بحنث بأكل أحدهما بل بأكل لقمة منهما.
وقال أشهب: تعتق وتطلق التي دخلت وحدها، لان دخول كل واحدة منهما شرطا في طلاقها أو عتقها.
قال ابن العربي: وهذا بعيد، لان بعض الشرط لا يكون شرطا إجماعا.
قلت: الصحيح الاول، وإن النهي إذا كان معلقا على فعلين لا تتحقق المخالفة إلا بهما، لانك إذا قلت: لا تدخلا الدار، فدخل أحدهما ما وجدت المخالفة منهما، لان قول الله تعالى " ولا تقربا هذه الشجرة " [ البقرة: 35 ] نهي لهما " فتكونا من الظالمين " [ البقرة: 35 ] جوابه، فلا يكونا من الظالمين حتى يفعلا، فلما أكلت لم يصبها شئ، لان المنهي عنه ما وجد كاملا.
وخفي هذا المعنى على آدم فطمع ونسي هذا الحكم، وهو معنى قوله تعالى: " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي " [ طه: 115 ] وقيل: نسي قوله: " إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى " [ طه: 117 ]. والله أعلم.
الثانية عشرة - واختلف العلماء في هذا الباب هل وقع من الانبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - صغائر من الذنوب يؤاخذون بها ويعاتبون عليها أم لا - بعد اتفاقهم على أنهم معصومون من الكبائر ومن كل رزيلة فيها شين ونقص إجماعا.
وقال جمهور من الفقهاء من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي: إنهم معصومون من الصغائر كلها كعصمتهم من الكبائر أجمعها، لانا أمرنا باتباعهم في أفعالهم وآثارهم وسيرهم أمرا مطلقا من غير التزام قرينة، فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يمكن الاقتداء بهم، إذ ليس كل فعل من أفعالهم يتميز مقصده من القربة والاباحة أو الحظر أو المعصية، ولا يصح أن يؤمر المرء بامتثال أمر لعله معصية، لا سيما على من يرى تقديم الفعل على القول إذا تعارضا من الاصوليين.
قال الاستاذ أبو إسحاق الاسفرايني: واختلفوا في الصغائر، والذي عليه الاكثر أن ذلك غير جائز عليهم، وصار بعضهم إلى تجويزها، ولا أصل لهذه المقالة.
وقال بعض المتأخرين ممن ذهب إلى القول الاول: الذي ينبغي أن يقال إن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها إليهم وعاتبهم عليها، وأخبروا بها عن نفوسهم وتنصلوا منها وأشفقوا منها وتابوا، وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا يقبل التأويل جملتها وإن قبل ذلك آحادها، وكل ذلك مما لا يزري بمناصبهم، وإنما تلك الامور التي وقعت منهم على جهة الندور وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات وفي حقهم سيئات، بالنسبة إلى مناصبهم وعلو أقدارهم، إذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس، فأشفقوا من ذلك في موقف القيامة مع علمهم بالامن والامان والسلامة.
قال: وهذا هو الحق.
ولقد أحسن الجنيد حيث قال: حسنات الابرار سيئات المقربين.
فهم - صلوات الله وسلامه عليهم - وإن كان قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم فلم يخل ذلك بمناصبهم ولا قدح في رتبهم، بل قد تلافاهم واجتباهم وهداهم ومدحهم وزكاهم واختارهم واصطفاهم، صلوات الله عليهم وسلامه.
الثالثة عشرة - قوله تعالى: (فتكونا من الظالمين) الظلم أصله وضع الشئ في غير موضعه.
قوله تعالى: (وكلا منها رغدا) (رغدا) نعت لمصدر محذوف أي أكلا رغدا.
وقال مجاهد: (رغدا) أي لا حساب عليهم.
والرغد في اللغة: الكثير الذي لا يعنيك ويقال: أرغد القوم إذا وقعوا في خصب وسعة.
و (حيث) مبنية على الضم لانها خالفت أخواتها الظروف في أنها لا تضاف فأشبهت قبل وبعد إذا أفردتا
وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين .
السؤال : هنا ذكر زوجة آدم ولم يذكر من أين أتت ولا حتى كيف خلقت . ثم سمح لهما بأكل ثمار الجنة
( إلا هذه الشجرة ) ما هي هذه الشجرة , ولماذا يكونا من الظالمين إذا اكلا منها من سيظلما ؟. لماذا لا يكونا من العاصين بدل الظالمين؟ . وبالعدد 36 قال فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما ... . ماذا كان يفعل الشيطان في الجنة مع آدم وزوجته . وبالعدد37 قال فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم . ما هي هذه الكلمات التي تلقاها آدم من الله حتى تاب ؟ هل تنفع البشر الآن لكي يتوبوا هم أيضا ؟
قصة آدم من سورة البقرة
وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
تفسير القرطبي - (ج 1 / ص 298) / سورة البقرة
فيه ثلاث عشرة مسألة: الاولى - قوله تعالى -: (وقلنا يا آدم اسكن) لا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة، وبعد إخراجه قال لآدم: اسكن، أي لازم الاقامة واتخذها مسكنا، وهو محل السكون.
وسكن إليه يسكن سكونا.00 والسكن: كل ما سكن إليه.
والسكين معروف سمي به لانه يسكن حركة المذبوح، ومنه المسكين لقلة تصرفه وحركته.
وسٌكان السفينة عربي، لانه يسكنها عن الاضطراب (السكان (بالضم): ذنب السفينة التي به تعدل).
الثانية - في قوله تعالى: " اسكن " تنبيه على الخروج، لان السكنى لا تكون ملكا، ولهذا قال بعض العارفين: السكنى تكون إلى مدة ثم تنقطع، فدخولهما في الجنة كان دخول سكنى لا دخول إقامة.
قلت: وإذا كان هذا فيكون فيه دلالة على ما يقوله الجمهور من العلماء: إن من أسكن رجلا مسكنا له أنه لا يملكه بالسكنى، وأن له أن يخرجه إذا انقضت مدة الاسكان.
وكان الشعبي يقول: إذا قال الرجل داري لك سكنى حتى تموت فهي له حياته وموته، وإذا قال: داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها إذا مات.
ونحو من السكنى العمرى، إلا أن الخلاف في العمرى أقوى منه في السكنى.
وسيأتي الكلام في العمرى في " هود " إن شاء الله تعالى.
قال الحربي: سمعت ابن الاعرابي يقول: لم يختلف العرب في أن هذه الاشياء على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له العمرى والرقبى والافقار والاخبال والمنحة والعرية والسكنى والاطراق.
وهذا حجة مالك وأصحابه في أنه لا يملك شئ من العطايا إلا المنافع دون الرقاب، وهو قول الليث بن سعد والقاسم بن محمد، ويزيد بن قسيط.
والعمرى: هو إسكانك الرجل في دار لك مدة عمرك أو عمره.
ومثله الرقبى: وهو أن يقول: إن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك، وهي من المراقبة.
والمراقبة: أن يرقب كل واحد منهما موت صاحبه، ولذلك اختلفوا في إجازتها ومنعها، فأجازها أبو يوسف والشافعي، وكأنها وصية عندهم.
ومنعها مالك والكوفيون، لان كل واحد منهم يقصد إلى عوض لا يدري هل يحصل له، ويتمنى كل واحد منهما موت صاحبه.
وفي الباب حديثان أيضا بالاجازة والمنع ذكرهما ابن ماجه في سننه، الاول رواه جابر بن عبد الله قال
2374 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُرْقِبَهَا سنن ابن ماجه - (ج 7 / ص 206) ، سنن أبي داود تحقيق الألباني : صحيح 0
ففي هذا الحديث التسوية بين العمرى والرقبى في الحكم.
الثاني // 2373 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لَا رُقْبَى فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَمَاتَهُ
قَالَ وَالرُّقْبَى أَنْ يَقُولَ هُوَ لِلْآخَرِ مِنِّي وَمِنْكَ مَوْتًا سنن ابن ماجه و النسائي ، أبو داود تحقيق الألباني :صحيح
فقوله: (لا رقبى) نهي يدل على المنع، وقوله: (من أرقب شيئا فهو له) يدل على الجواز،
عون المعبود - (ج 8 / ص 54)
فهذا الحديث نهي عن الرقبى والعمرى ، وعلله بأن من أرقب على بناء المفعول في الفعلين أي فلا تضيعوا أموالكم ولا تخرجوها من أملاككم بالرقبى والعمرى فالنهي بمعنى لا يليق بالمصلحة وإن فعلتم يكون صحيحا . وقيل النهي قبل التجويز فهو منسوخ بأدلة الجواز والله تعالى أعلم . كذا في فتح الودود .وعند مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله r" أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا فَإِنَّهُ مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ "
فهذه الرواية تؤيد المعنى الأول 0
**
والافقار مأخوذ من فقار الظهر. أفقرتك ناقتي: أعرتك فقارها لتركبها. وأفقرك الصيد إذا أمكنك من فقاره حتى ترميه. ومثله الاخبال، يقال: أخبلت فلانا إذا أعرته ناقة يركبها أو فرسا يغزو عليه
والمنحة: العطية. والمنحة: منحة اللبن.
والمنيحة: الناقه أو الشاة يعطيها الرجل آحر يحتلبها ثم يردها، قال رسول الله r : (العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم). رواه أبو أمامة، أخرجه الترمذي والدارقطني وغيرهما، وهو صحيح.
سنن الترمذي - (ج 7 / ص 491)
2046 - عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ التَّابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامَ قَالَ ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا ثُمَّ قَالَ الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ 0 قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ وَأَنَسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ r مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ 0
تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 402)
( الولد للفراش ) أي للأم . قال في النهاية : وتسمى المرأة فراشا لأن الرجل يفترشها ، أي الولد منسوب إلى صاحب الفراش سواء كان زوجا أو سيدا أو واطئ شبهة ، وليس للزاني في نسبه حظ ، إنما الذي جعل له من فعله استحقاق الحد وهو قوله ( وللعاهر الحجر )
قال التوربشتي : يريد أن له الخيبة ، وهو كقولك له التراب ، والذي ذهب إلى الرجم فقد أخطأ لأن الرجم لا يشرع في سائره
( وحسابهم على الله تعالى ) قال المظهر : يعني نحن نقيم الحد على الزناة وحسابهم على الله إن شاء عفا عنهم وإن شاء عاقبهم ، هذا مفهوم الحديث ، وقد جاء : " من أقيم عليه الحد في الدنيا لا يعذب بذلك الذنب في القيامة ، فإن الله تعالى أكرم من أن يثني العقوبة على من أقيم عليه الحد " . ويحتمل أن يراد به من زنى أو أذنب ذنبا آخر ولم يقم عليه الحد فحسابه على الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه . قال القاري : ويمكن أن يقال ونحن نجري أحكام الشرع بالظاهر والله تعالى أعلم بالسرائر . فحسابهم على الله وجزاؤهم عند الله أو بقية محاسبتهم ومجازاتهم من الإصرار على ذلك الذنب ومباشرة سائر الذنوب تحت مشيئة الله
( ومن ادعى إلى غير أبيه ) بتشديد الدال أي انتسب إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه
( أو انتمى إلى غير مواليه ) أي انتسب إليهم وصار معروفا بهم من نميته إلى أبيه نميا نسبته إليه وانتمى هو
( فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة ) وفي رواية أبي داود عن أنس : المتتابعة إلى يوم القيامة
( لا تنفق امرأة من بيت زوجها إلا بإذن زوجها ) أي صريحا أو دلالة نفي وقيل نهي
( قيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذاك أفضل أموالنا ) يعني فإذا لم تجز الصدقة بما هو أقل قدرا من الطعام بغير إذن الزوج فكيف تجوز بالطعام الذي هو أفضل 0
( العارية ) بالتشديد ويخفف 0 ( مؤداة ) بالهمزة ويبدل . قال التوربشتي : أي تؤدى إلى صاحبها .
واختلفوا في تأويله على حسب اختلافهم في الضمان ، فالقائل بالضمان يقول تؤدى عينا حال القيام وقيمة عند التلف ، وفائدة التأدية عند من يرى خلافه إلزام المستعير مؤنة ردها إلى مالكها 0
( والمنحة ) بكسر فسكون ، ما يمنحه الرجل صاحبه أي يعطيه من ذات در ليشرب لبنها أو شجرة ليأكل ثمرها أو أرضا ليزرعها ، وفي رواية المنيحة 0
( مردودة ) إعلام بأنها تتضمن تمليك المنفعة لا تمليك الرقبة 0 ( والدين مقضي ) أي يجب قضاؤه
( والزعيم ) أي الكفيل 0
( غارم ) أي يلزم نفسه ما ضمنه ، والغرم أداء شيء يلزمه ، والمعنى ضامن ومن ضمن دينا لزمه أداؤه " وفي الباب عن عمرو بن خارجة وأنس بن مالك " أما حديث عمرو بن خارجة فأخرجه الترمذي في هذا الباب . وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه ابن ماجه .
قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وحسنه الحافظ أيضا في التلخيص .
***
تفسير القرطبي -
والاطراق: إعارة الفحل، استطرق فلان فلانا فحله: إذا طلبه ليضرب في إبله، فأطرقه إياه، ويقال: أطرقني فحلك أي أعرني فحلك ليضرب في إبلي.
وطرق الفحل الناقة يطرق طروقا أي قعا عليها.
وطروقة الفحل: أنثاه، يقال: ناقة طروقة الفحل للتي بلغت أن يضربها الفحل.
الثالثة - قوله تعالى: (أنت وزوجك) " أنت " تأكيد للمضمر الذي في الفعل، ومثله " فاذهب أنت وربك ".
ولا يجوز اسكن وزوجك، ولا اذهب وربك،
الرابعة - قوله تعالى: " وزوجك " لغة القرآن " زوج " بغير هاء، وقد تقدم القول فيه.
وقد جاء في صحيح مسلم: " زوجة " عن أنس أن النبي r كان مع إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه فجاء فقال: (يا فلان هذه زوجتي فلانة): فقال يا رسول الله، من كنت أظن به فلم أكن أظن بك، فقال رسول الله r : (إن الشيطان يجري من الانسان مجرى الدم).
وزوج آدم عليه السلام هي حواء عليها السلام، وهو أول من سماها بذلك حين خلقت من ضلعه (الضلع كعنب وجذع) من غير أن يحس آدم عليه السلام بذلك، ولو ألم بذلك لم يعطف رجل على امرأته، فلما انتبه قيل له: من هذه ؟ قال: امرأة قيل: وما اسمها ؟ قال: حواء، قيل: ولم سميت امرأة ؟ قال: لانها من المرء أخذت، قيل: ولم سميت حواء ؟ قال: لانها خلقت من حي.
روي أن الملائكة سألته عن ذلك لتجرب علمه، وأنهم قالوا له: أتحبها يا آدم ؟ قال: نعم، قالوا لحواء: أتحبينه يا حواء ؟ قالت: لا، وفي قلبها أضعاف ما في قلبه من حبه. قالوا: فلو صدقت أمرأة في حبها لزوجها لصدقت حواء.
وقال ابن مسعود وابن عباس: لما أسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشا، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصرى من شقه الايسر ليسكن إليها ويأنس بها، فلما انتبه رآها فقال: من أنت ؟ قالت: امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي، وهو معنى قوله تعالى: " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها " (3) [ الاعراف: 189 ].
قال العلماء: ولهذا كانت المرأة عوجاء، لانها خلقت من أعوج وهو الضلع.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله r : 2670 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا 0
وقال الشاعر: هي الضلع العوجاء ليست تقيمها * ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى * أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
ومن هذا الباب استدل العلماء على ميراث الخنثى المشكل إذا تساوت فيه علامات النساء والرجال من الحية والثدي والمبال بنقص الاعضاء.
فإن نقصت أضلاعه عن أضلاع المرأة أعطي نصيب رجل - روي ذلك عن علي t - لخلق حواء من أحد أضلاعه،.
الخامسة - قوله تعالى: (الجنة) الجنة: البستان، وقد تقدم القول فيها.
ولا التفات لما ذهبت إليه المعتزلة والقدرية من أنه لم يكن في جنة الخلد وإنما كان في جنة بأرض عدن.
فالجواب: أن الله تعالى عرف الجنة بالالف واللام،
ومن قال: أسأل الله الجنة، لم يفهم منه في تعارف الخلق إلا طلب جنة الخلد.
فأدخل الالف واللام ليدل على أنها جنة الخلد
السادسة - قوله تعالى: (وكلا منها رغدا حيث شئتما) قراءة الجمهور " رغدا " بفتح الغين.
وقرأ النخعي وابن وثاب بسكونها.
والرغد: العيش الدار الهني الذي لا عناء فيه، ويقال: رغد عيشهم ورغد (بضم الغين وكسرها).
وأرغد القوم: أخصبوا وصاروا في رغد من العيش. وهو منصوب على الصفة لمصدر محذوف 0
السابعة - قوله تعالى: " ولا تقربا هذه الشجرة " أي لا تقرباها بأكل، لان الاباحة (أي من غير تلك الشجرة) فيه وقعت.
قال ابن العربي: سمعت الشاشي يقول: إذا قيل لا تقرب (بفتح الراء) كان معناه لا تلبس بالفعل، وإذا كان (بضم الراء) فإن معناه لا تدن منه.
وقال ابن عطية: قال بعض الحذاق: إن الله تعالى لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظ يقتضي الاكل وما يدعو إليه العرب وهو القرب.
قال ابن عطية: وهذا مثال بين في سد الذرائع.
وقال بعض أرباب المعاني قوله: " ولا تقربا " إشعار بالوقوع في الخطيئة والخروج من الجنة، وأن سكناه فيها لا يدوم، لان المخلد لا يحظر عليه شئ ولا يؤمر ولا ينهى.
والدليل على هذا قوله تعالى " إني جاعل في الارض خليفة " [ البقرة: 30 ] فدل على خروجه منها.
الثامنة - قوله تعالى: " هذه الشجرة " الاسم المبهم ينعت بما فيه الالف واللام لا غير، كقولك: مررت بهذا الرجل وبهذه المرأة وهذه الشجرة.
والشجرة: ما كان على ساق من نبات الارض.
التاسعة - واختلف أهل التأويل في تعيين هذه الشجرة التي نهي عنها فأكل منها،000.
قال ابن عطية: وليس في شئ من هذا التعيين ما يعضده خبر، وإنما الصواب أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو إليها وعصى في الاكل منها.
وقال القشيري أبو نصر: وكان الامام والدي رحمه الله يقول: يعلم على الجملة أنها كانت شجرة المحنة.
العاشرة - واختلفوا كيف أكل منها مع الوعيد المقترن بالقرب وهو قوله تعالى: " فتكونا من الظالمين "، فقال قوم: أكلا من غير التي أشير إليها فلم يتأولا النهي واقعا على جميع جنسها، كأن إبليس غره بالاخذ بالظاهر قال ابن العربي: وهي أول معصية عصى الله بها على هذا القول.
قال: " وفيه دليل على أن من حلف ألا يأكل من هذا الخبز فأكل من جنسه حنث.
وتحقيق المذاهب فيه أن أكثر العلماء قالوا: لا حنث فيه.
وقال مالك وأصحابه: إن اقتضى بساط اليمين تعيين المشار إليه لم يحنث بأكل جنسه، وإن اقتضى بساط اليمين أو سببها أو نيتها الجنس حمل عليه وحنث بأكل غيره، وعليه حملت قصة آدم عليه السلام فإنه نهي عن شجرة عينت له وأريد بها جنسها، فحمل القول على اللفظ دون المعنى.
وقد اختلف علماؤنا في فرع من هذا، وهو أنه إذا حلف ألا يأكل هذه الحنطة فأكل خبزا منها على قولين، قال في الكتاب: يحنث، لانها هكذا تؤكل.
وقال ابن المواز: لا شئ عليه، لانه لم يأكل حنطة وإنما أكل خبزا فراعى الاسم والصفة ولو قال في يمينه: لا آكل من هذه الحنطة لحنث بأكل الخبز المعمول منها ".
وفيما اشترى بثمنها من طعام وفيما أنبتت خلاف.
وقال آخرون: تأولا النهي على الندب.
قال ابن العربي: وهذا وإن كان مسألة من أصول الفقه فقد سقط ذلك ها هنا، لقوله: " فتكونا من الظالمين " [ البقرة: 35 ] فقرن النهي بالوعيد، وكذلك قوله سبحانه: " فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى " (1) [ طه: 117 ] [ فتعين كونه على الوجوب ].
قلت: قد استنبط بعض العلماء نبوة آدم عليه السلام قبل إسكانه الجنة من قوله تعالى: " فلما أنبأهم بأسمائهم " [ البقرة: 33 ] فأمره الله تعالى أن ينبئ الملائكة بما ليس عندهم من علم الله عزوجل.
وقيل: أكلها ناسيا، ومن الممكن أنهما نسيا الوعيد.
قلت: وهو الصحيح لاخبار الله تعالى في كتابه بذلك حتما وجزما فقال: " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما (1) " [ طه: 115 ].
ولكن لما كان الانبياء عليهم السلام يلزمهم من التحفظ والتيقظ لكثرة معارفهم وعلو منازلهم ما لا يلزم غيرهم كان تشاغله عن تذكر النهي تضييعا صار به عاصيا، أي مخالفا.
قال أبو أمامة: لو أن أحلام بني آدم منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة وضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم، وقد قال الله تعالى: " ولم نجد له عزما ".
قلت: قول أبي أمامة هذا عموم في جميع بني آدم.
وقد يحتمل أن يخص من ذلك نبينا محمد r ، فإنه كان أوفر الناس حلما وعقلا.
وقد يحتمل أن يكون المعنى لو أن أحلام بني آدم من غير الانبياء. والله أعلم.
قلت: والقول الاول أيضا حسن، فظنا أن المراد العين وكان المراد الجنس، كقول النبي r حين أخذ ذهبا وحريرا فقال: (هذان حرامان على ذكور أمتي).
وقال في خبر آخر: (هذان مهلكان أمتي). وإنما أراد الجنس لا العين.
الحادية عشرة - يقال: إن أول من أكل من الشجرة حواء بإغواء إبليس إياها - على ما يأتي بيانه - وإن أول كلامه كان معها لانها وسواس المخدة، وهي أول فتنة دخلت على الرجال من النساء، فقال: ما منعتما هذه الشجرة إلا أنها شجرة الخلد، لانه علم منهما أنهما كانا يحبان الخلد، فأتاهما من حيث أحبا - " حبك الشئ يعمي ويصم " - فلما قالت حواء لآدم أنكر عليها وذكر العهد، فألح على حواء وألحت حواء على آدم، إلى أن قالت: أنا آكل قبلك حتى إن أصابني شئ سلمت أنت، فأكلت فلم يضرها، فأتت آدم فقالت: كل فإني قد أكلت فلم يضرني، فأكل فبدت لهما سوآتهما وحصلا في حكم الذنب، لقول الله تعالى: " ولا تقربا هذه الشجرة " فجمعهما في النهي، فلذلك لم تنزل بها العقوبة حتى وجد المنهي عنه منهما جميعا، وخفيت على آدم هذه المسألة، ولهذا قال بعض العلماء: إن من قال لزوجتيه أو أمتيه: إن دخلتما الدار فأنتما طالقتان أو حرتان، إن الطلاق والعتق لا يقع بدخول إحداهما.
وقد اختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال، قال ابن القاسم: لا تطلقان ولا تعتقان إلا باجتماعهما في الدخول، حملا على هذا الاصل وأخذا بمقتضى مطلق اللفظ. وقاله سحنون.
وقال ابن القاسم مرة أخرى: تطلقان جميعا وتعتقان جميعا بوجود الدخول من إحداهما، لان بعض الحنث حنث، كما لو حلف ألا يأكل هذين الرغيفين فإنه بحنث بأكل أحدهما بل بأكل لقمة منهما.
وقال أشهب: تعتق وتطلق التي دخلت وحدها، لان دخول كل واحدة منهما شرطا في طلاقها أو عتقها.
قال ابن العربي: وهذا بعيد، لان بعض الشرط لا يكون شرطا إجماعا.
قلت: الصحيح الاول، وإن النهي إذا كان معلقا على فعلين لا تتحقق المخالفة إلا بهما، لانك إذا قلت: لا تدخلا الدار، فدخل أحدهما ما وجدت المخالفة منهما، لان قول الله تعالى " ولا تقربا هذه الشجرة " [ البقرة: 35 ] نهي لهما " فتكونا من الظالمين " [ البقرة: 35 ] جوابه، فلا يكونا من الظالمين حتى يفعلا، فلما أكلت لم يصبها شئ، لان المنهي عنه ما وجد كاملا.
وخفي هذا المعنى على آدم فطمع ونسي هذا الحكم، وهو معنى قوله تعالى: " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي " [ طه: 115 ] وقيل: نسي قوله: " إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى " [ طه: 117 ]. والله أعلم.
الثانية عشرة - واختلف العلماء في هذا الباب هل وقع من الانبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - صغائر من الذنوب يؤاخذون بها ويعاتبون عليها أم لا - بعد اتفاقهم على أنهم معصومون من الكبائر ومن كل رزيلة فيها شين ونقص إجماعا.
وقال جمهور من الفقهاء من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي: إنهم معصومون من الصغائر كلها كعصمتهم من الكبائر أجمعها، لانا أمرنا باتباعهم في أفعالهم وآثارهم وسيرهم أمرا مطلقا من غير التزام قرينة، فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يمكن الاقتداء بهم، إذ ليس كل فعل من أفعالهم يتميز مقصده من القربة والاباحة أو الحظر أو المعصية، ولا يصح أن يؤمر المرء بامتثال أمر لعله معصية، لا سيما على من يرى تقديم الفعل على القول إذا تعارضا من الاصوليين.
قال الاستاذ أبو إسحاق الاسفرايني: واختلفوا في الصغائر، والذي عليه الاكثر أن ذلك غير جائز عليهم، وصار بعضهم إلى تجويزها، ولا أصل لهذه المقالة.
وقال بعض المتأخرين ممن ذهب إلى القول الاول: الذي ينبغي أن يقال إن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها إليهم وعاتبهم عليها، وأخبروا بها عن نفوسهم وتنصلوا منها وأشفقوا منها وتابوا، وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا يقبل التأويل جملتها وإن قبل ذلك آحادها، وكل ذلك مما لا يزري بمناصبهم، وإنما تلك الامور التي وقعت منهم على جهة الندور وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات وفي حقهم سيئات، بالنسبة إلى مناصبهم وعلو أقدارهم، إذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس، فأشفقوا من ذلك في موقف القيامة مع علمهم بالامن والامان والسلامة.
قال: وهذا هو الحق.
ولقد أحسن الجنيد حيث قال: حسنات الابرار سيئات المقربين.
فهم - صلوات الله وسلامه عليهم - وإن كان قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم فلم يخل ذلك بمناصبهم ولا قدح في رتبهم، بل قد تلافاهم واجتباهم وهداهم ومدحهم وزكاهم واختارهم واصطفاهم، صلوات الله عليهم وسلامه.
الثالثة عشرة - قوله تعالى: (فتكونا من الظالمين) الظلم أصله وضع الشئ في غير موضعه.
قوله تعالى: (وكلا منها رغدا) (رغدا) نعت لمصدر محذوف أي أكلا رغدا.
وقال مجاهد: (رغدا) أي لا حساب عليهم.
والرغد في اللغة: الكثير الذي لا يعنيك ويقال: أرغد القوم إذا وقعوا في خصب وسعة.
و (حيث) مبنية على الضم لانها خالفت أخواتها الظروف في أنها لا تضاف فأشبهت قبل وبعد إذا أفردتا